فصل: لطائف التفسير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.وجوه القراءات:

1- قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة} قرأ الجمهور بالبناء للفاعل {حَرَّمَ} أي حرّم الله و{الميتة} بالتخفيف، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بالبناء للمفعول والتشديد {إنما حرّم عليكم الميّتَة}.
قال القرطبي: التشديدُ والتخفيف في ميّت ومَيْت لغتان، وقد جمعا في قول الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميْتٍ ** إنما المْيتُ ميّتُ الأحياء

والمشهور عند أهل اللغة: الميْت بالتخفيف من مات فعلًا، وبالتشديد ميّت من سيموت كما في قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} [الزمر: 30] إنك ستموت وإنهم سيموتون.
2- قرأ الجمهور {فمن اضطُرّ} بضم الطاء، وقرأ أبو جعفر فمن اضطِرّ بكسر الطاء، وأدغم ابن محيص الضاد في الطاء فمن اطرّ.

.وجوه الإعراب:

1- قوله تعالى: {إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} جواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله.
2- قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ} إنمّا مكفوفة عن العمل وهي حرف واحد تفيد الحصر والميتة مفعول لحرّم والمعنى: ما حرّم عليكم إلا الميتة. الخ.
3- قوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ} غيرَ منصوب على الحال ولا عاد معطوف على باغٍ وتقديره لا باغيًا ولا عاديًا.
قال القرطبي: {غيرَ} نصبٌ على الحال، وقيل: على الاستثناء، وإذا رأيت غير يصلح في موضعها في فهي حال، وإذا صلح موضعها إلاّ فهي استثناء، فقس عليه، وباغ أصله باغيٌ ثقلت الضمة على الياء فسكنّت، والتنوين ساكن، فحذفت الياء، والكسرةُ دالة عليها.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى:
المرادُ من الطيبات الرزقُ الحلال، فكل ما أحلّه الله فهو طيّب، وكلّ ما حرّمه فهو خبيث، قال عمر بن عبد العزيز: المراد طيبُ الكسب لا طيبُ الطعام. ويؤيده الحديث الشريف: «إنّ الله طيّبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات واعملوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51] وقال: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعثَ أغبر، يمدّ يديه إلى السماء يا ربّ يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يُستجابُ له؟».
فهذا هو بيان الطيّب من الرزق ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عطر بعد عروس.
اللطيفة الثانية:
قال أبو حيان: لمّا أباح تعالى لعباده أكل ما في الأرض من الحلال الطيّب، وكانت وجوه الحلال كثيرة، بيّن لهم ما حرّم عليهم لكونه أقل، فلما بيّن ما حرم بقي ما سوى ذلك على التحليل حتى يرد منع آخر، وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم لمّا سئل عما يلبس المحرم فقال: «لا يلبس القميص ولا السروال» فعدل عن ذكر المباح إلى ذكر المحظور، لكثرة المباح وقلة المحظور، وهذا من الإيجاز البليغ.
اللطيفة الثالثة:
في قوله تعالى: {واشكروا للَّهِ} إلتفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة، إذ لو جرى على الأسلوب الأول لقال: واشكرونا وفائدة هذا الالتفات تربية المهابة والروعة في القلوب.
اللطيفة الرابعة:
قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمَ الخنزير} هو على حذف مضاف أي أكل الميتة وأكل لحم الخنزير مثل قوله تعالى: {وَسْئَلِ القرية} [يوسف: 82] أي أهل القرية.
قال الألوسي: وإضافة الحرمة إلى العين- مع أن الحرمة من الأحكام الشرعية وليست مما تتعلق بالأعيان- إشارة إلى حرمة التصرف في الميتة من جميع الوجوه بأخصر طريق- وأوكده.
وقال أبو السعود: وإنما خصَّ لحم الخنزير مع أن سائر أجزائه أيضًا في حكمه، لأنه معظم ما يؤكل من الحيوان، وسائر أجزائه بمنزلة التابع له.

.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: هل المحرّم في آية الميتة الأكلُ أم الانتفاع؟

ورد التحريم في هذه الآية مسندًا إلى أعيان الميتة والدم، وقد اختلف الفقهاء هل المحرّم الأكل فقط، أم يحرم سائر وجوه الانتفاع، لأنه لما حرم الأكل حرم البيع والانتفاع بشيء منها لأنها ميتة، إلا ما استثناه الدليل، وذهب بعض العلماء إلى أن المحرم إنما هو الأكل فقط بدليل قوله تعالى: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} وبدليل ما بعده في قوله تعالى: {فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ} أي اضطر إلى الأكل.
قال الجصاص: والتحريم يتناول سائر وجوه المنافع، فلا يجوز الانتفاع بالميتة على وجه ولا يطعمها الكلاب والجوارح، لأن ذلك ضرب من الانتفاع بها، وقد حرّم الله الميتة تحريمًا مطلقًا معلقًا بعينها، فلا يجوز الانتفاع بشيء منها إلا أن يخص بدليل يجب التسليم له.

.الحكم الثاني: ما هو حكم الميتة من السمك والجراد؟

تضمنت الآية تحريم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أُهّل لغير الله.
فأمّا الميتة فهي ما مات من الحيوان حتف أنفه من غير قتل، أو مقتولًا بغير ذكاة شرعية، وكان العرب في الجاهلية يستبيحون الميتة، فلما حرمها الله تعالى جادلوا في فلك المؤمنين وقالوا: لا تأكلون مما قتله الله، وتأكلون مما تذبحون بأيديكم!! فأنزل الله في سورة الأنعام: [121].
{وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} فالميتة حرام بالنص القاطع، وقد وردت أحاديث كثيرة تفيد تخصيص الميتة منها الأحاديث التالية:
أ- قوله صلى الله عليه وسلم: «أُحِلّ لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال».
ب- وقوله صلى الله عليه وسلم في البحر: «هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته».
ج- وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله أنه خرج مع أبي عبيدة بن الجراح يتلقى عيرًا لقريش، وزودنا جرابًا من تمر، فانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر قال أبو عبيدة: ميتةٌ، ثم قال: بل نحن رُسُل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اضطررتم فكلوا، قال: فأقمنا عليه شهرًا حتى سمنّا.. وذكر الحديث قال: فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: هو رزقٌ أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعموننا؟ قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله.
د- وحديث ابن أبي أوفى: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد.
فقد خصَّص جمهور الفقهاء من الآية ميتة البحر للأحاديث السابقة الذكر، كما أباحوا أكل الجراد، إلاّ أن الحنفية حرموا الطافي من السمك وأحلّوا ما جزر عنه البحر لحديث: «ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه».
إلاّ أن المالكية أباحوا أكل ميتة السمك، وبقي الجراد الميت على تحريم الميتة: لأنه لم يصح فيه عندهم شيء.
قال القرطبي: وأكثر الفقهاء يجيزون أكل جميع دوابّ البحر حيها وميتها، وهو مذهب مالك، وتوقف أن يجيب في خنزير الماء وقال: أنتم تقولون خنزيرًا. قال ابن القاسم: وأنا أتقيه ولا أراه حرامًا.

.الحكم الثالث: ما هي ذكاة الجنين بعد ذبح أمه؟

اختلف العلماء في الجنين الذي ذبحت أمه وخرج ميتًا هل يؤكل أم لا؟
ذهب أبو حنيفة: إلى أنه لا يؤكل إلا أن يخرج حيًا فيذبح، لأنه ميتة وقد قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة}.
وذهب الشافعي وأبو يوسف ومحمد إلى أنه يؤكل، لأنه مذكى بذكاة أمه، واستدلوا بحديث: «ذكاة الجنين ذكاة أمه».
وقال مالك رحمه الله: إنْ تمّ خلقُه ونبت شعره أُكل وإلاّ فلا.
قال القرطبي: إن الجنين إذا خرج بعد الذبح ميتًا يؤكل لأنه جرى مجرى العضو من أعضائها.
وقال من ينتصر لأبي حنيفة: إن الحديث يحتمل معنى آخر هو أن ذكاة الجنين كذكاة أمه على حد قول القائل قولي قولُك، ومذهبي مذهبك أي كقولك وكمذهبك وعلى حد قول الشاعر:
فعيناكِ عيناها وجيدُك جيدُها ** سوى أنّ عظم الساق منك دقيق

.الحكم الرابع: هل يباح الانتفاع بالميتة في غير الأكل؟

ذهب عطاء إلى أنه يجوز الانتفاع بشحم الميتة وجلدها، كطلاء السفن ودبغ الجلود، وحجته أن الآية إنما هي في تحريم الأكل خاصة، ويدل عليه قوله تعالى: {مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: 145].
وذهب الجمهور: إلى تحريمه واستدلوا بالآية الكريمة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة} [المائدة: 3] أي الانتفاع بها بأكلٍ أو غيره، فجعلوا الفعل المقدر هو الانتفاع، واستدلوا كذلك بقوله عليه السلام: «لعن الله اليهود، حُرّمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها» فهذا الحديث يدل على أن الله إذا حرّم شيئًا حرّم ثمنه، فلا يجوز البيع ولا الانتفاع بشيء من الميتة إلا ما ورد به النص.

.الحكم الخامس: ما هو حكم الدم الذي يبقى في العروق واللحم؟

اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس، لا يؤكل ولا ينتفع به، وقد ذكر تعالى الدم هاهنا مطلقًا وقيّده في الأنعام بقوله: {أَو دَمًا مَّسْفُوحًا} [الأنعام: 145] وحمل العلماء المطلق على المقيد، ولم يحرموا إلا ما كان مسفوحًا، وورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لولا أنّ الله قال أو دمًا مسفوحًا لتتبّع الناس ما في العروق» فما خالط اللحم غير محرم بإجماع، وكذلك الكبد والطحال مجمع على عدم حرمته وإن كان في الأصل دمًا.
قال القرطبي: وأمّا الدم فمحرّم ما لم تعم به البلوى، والذي تعم به البلوى هو الدم في اللحم والعروق، وروي عن عائشة أنها قالت: كنا نطبخ البرمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلوها الصفرة من الدم، فنأكل ولا ننكره.

.الحكم السادس: ماذا يحرم من الخنزير؟

نصت الآية على تحريم لحم الخنزير، وقد ذهب بعض الظاهرية إلى أن المحرم لحمه لا شحمه، لأن الله قال: {وَلَحْمَ الخنزير} وذهب الجمهور إلى أنّ شحمه حرام أيضًا، لأن اللحم يشمل الشحم، وهو الصحيح، وإنما خصّ الله تعالى ذكر اللحم من الخنزير ليدل على تحريم عينه، سواء ذُكّى ذكاةً شرعية أو لم يُذكّ.
وقد اختلف الفقهاء في جواز الانتفاع بشعر الخنزير.
فذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه لا يجوز الخرازة به.
وقال الشافعي: لا يجوز الانتفاع بشعر الخنزير.
وقال أبو يوسف: أكره الخرز به.
قال القرطبي: لا خلاف أن جملة الخنزير محرّمة إلا الشعر فإنه يجوز الخرازة به، لأن الخرازة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده، لا نعلم أنه أنكرها ولا أحد من الأئمة بعده، وما أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كابتداء الشرع منه.
وقد اختلف أهل العلم في خنزير الماء فقال أبو حنيفة: لا يؤكل لعموم الآية.
وقال مالك والشافعي والأوزاعي: لا بأس بأكل كل شيء يكون في البحر، وتفصيل الأدلة ينظر في كتب الفروع.

.الحكم السابع: ما الذي يباح للمضطر من الميتة؟

اختلف العلماء في المضطر، أيأكل من الميتة حتى يشبع، أم يأكل على قدر سدّ الرمق؟
ذهب مالك إلى الأول، لأن الضرورة ترفع التحريم فتعود الميتة مباحة.
وذهب الجمهور: إلى الثاني، لأن الإباحة ضرورة فتقدر بقدرها، وسبب الخلاف يرجع إلى مفهوم قوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} فالجمهور فسروا البغي بالأكل من الميتة لغير حاجة، والعاد هو المعتدي حد الضرورة.
ومالك فسره بالبغي والعدوان على الإمام، ولكل وجهة والله أعلم.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

1- إباحة الأكل من الطيبات للمؤمنين بشرط أن يكون من الكسب الحلال.
2- شكر الله واجب على المؤمنين لنعم الله التي لا تُعد ولا تحصى.
3- الإخلاص في العبادة لله من صفات المؤمنين الصادقين.
4- الله جل وعلا حرّم على عباده الخبائث دون الطيبات.
5- حالة الاضطرار تبيح للإنسان الأكل ممّا حرمه الله كالميتة وغيرها.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
أباح الباري جل وعلا لعباده المؤمنين تناول الطيبات، وحرّم عليهم الخبائث كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، ونهاهم عن تعذيب النفس وحرمانها من اللذائذ الدنيوية، فإن المشركين وأهل الكتاب حرَّموا على أنفسهم أشياء لم يحرمها الله تعالى كالبحيرة والسائبة.
وكان المذهب الشائع عند النصارى أن أقرب ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى، تعذيب النفس واحتقارها، وحرمانها من جميع الطيبات المستلذة، واعتقاد أنه لا حياة للروح إلا بتعذيب الجسد، وكلّ هذه الأحكام والشرائع قد وضعها الرؤساء، وليس لها أثر في شريعة الله. وقد تفضل الله على هذه الأمة بجعلها أمة وسطًا، تعطي الجسد حقه، والروح حقها، فأحلّ لنا الطيبات وحرّم علينا الخبائث، وأمرنا بالشكر عليها، ولم يجعلنا جثمانيين خلّصًا كالأنعام، ولا روحانيين خلصًا كالملائكة، بل جعلنا أناسيّ كملة بهذه الشيعة المعتدلة.
وأما الحكمة من تحريم الميتة فلما فيها من الضرر، لأنها إمّا أن تكون ماتت لمرض وعلة، قد أفسد بدنها وجعلها غير صالحة للبقاء والحياة، وإما أن يكون الموت لسببٍ طارئ.
فأما الأول فقد خبث لحمها، وتلوث بجراثيم المرض، فيخشى من عدواها، ونقل مرضها إلى الآكلين.
وأما الثانية: فلأنّ الموت الفجائي يقتضي بقاء المواد الضارة في جسمها.
وأما الدم المسفوح: فلقذارته وضرره أيضًا، وقد أثبت الطب الحديث أنّ الدم ضار كالميتة وأنه تتجمع فيه الميكروبات والمواد الضارة.
وأما لحم الخنزير: فلأن غذاءه من القاذورات، والنجاسات فيقذر لذلك، ولأن فيه ضررًا فقد اكتشف الأطباء أن لحم الخزير يحمل جراثيم شديدة الفتك، كما أن المتغذي من لحم الخنزير يكتسب من طباع ما يأكله، والخنزير فيه كثير من الطباع الخبيثة، وأشهرها عدم الغيرة والعفة.
يقول شهيد الإسلام سيد قطب عليه رحمة الله في تفسيره الظلال ما نصه: والخنزير بذاته منفرّ للطبع النظيف القويم، ومع هذا فقد حرمه الله منذ ذلك الأمد الطويل، ليكتشف علم الناس منذ قليل أن في لحمه ودمه وأمعائه دودة شديدة الخطورة الدودة الشريطية وبويضاتها المتكيّسة.
ويقول الآن قوم: إن وسائل الطهو الحديثة قد تقدمت، فلم تعد هذه الديدان بويضاتها مصدر خطر، لأن إبادتها مضمونة بالحرارة العالية التي توفرها وسائل الطهو الحديثة، وينسى هؤلاء الناس أن علمهم قد احتاج إلى قرون طويلة ليكشف آفة واحدة، فمن ذا الذي يجزم بأن ليس هناك آفات أخرى في لحم الخنزير لم يكشف بعد عنها؟ أفلا تستحق الشريعة التي سبقت هذا العلم البشري بعشرات القرون أن نثق بها، وندع كلمة الفصل لها، ونحرم ما حرمت، ونحلل ما حلّلت، وهي من لدن حكيم خبير؟!
أمّا ما أهل به لغير الله، فهو محرم لا لعلة فيه، ولكن للتوجه به لغير الله، محرم لعلة روحية، لسلامة القلب، وطهارة الروح، وخلوص الضمير، فهو ملحق بالنجاسة المادية والقذارة الحقيقية، وقد حرص الإسلام على أن يكون التوجه لله وحده بلا شريك. اهـ.